الأربعاء، 9 مارس 2011

رواية شاهد على أحداث مسيرة النساء المليونية الحزينة


 شكر خاص ل : رانيا المراغى من "الميدان" لترجمتها للنسخة الانجليزية من المقال:
(www.meedan.net)

كنت هناك وشاهدت ما يحدث  في "مسيرة النساء"  في الثامن من مارس/ آذار  خطوة بخطوة  وحتى نهايتها بأحداث عنف مشوبة بالخزي.

كان من المفترض أن تتخذ المسيرة شكل مبادرة شعبية للاحتفال باليوم العالمي للمرأة على محورين متوازيين: الأول: مسيرة لتكريم شهداء وشهيدات  الثورة. الثاني: رفع لافتات تحمل شعارات مطالب المشاركين في المسيرة.

كانت المبادرة مستقلة  دون أحزاب سياسية أو منظمات لكنهم أبدوا دعمهم للمسيرة كما وعد ائتلاف  المنظمات النسوية المصرية أن يكون معنا في ميدان التحرير وهو ماحدث بالفعل. كنا ومازلنا  لانمثل سوى أنفسنا: نحن مجموعة من الشباب والشابات نؤمن بحقوق المرأة. نحن لانمثل المنظمات أو المؤسسات التي نعمل معها. لم تكن مطالب المسيرة استفزازية ولكنها كانت مثيرة للجدل على الرغم من عدالتها. معظم المطالب كانت حول كتابة دستور مدني جديد يضمن المساواة بين جميع المصريين وينهي جميع أشكال التمييز ضد أي وكل مصري. ارتكزت بعض المطالب على إصدار مجموعة من التشريعات والقوانين تمنح المرأة حقوقها  المشروعة وتحميها من العنف سواء داخل الأسرة أو في المجتمع.  أما المطلب الأخير والأكثر إثارة للجدل  فهو عن حق المرأة في الترشح لرئاسة الجمهورية – ذلك هو المطلب الذي رفضه كل من كان في التحرير تقريبا إذ بدا أنهم ليسوا من أنصار حقوق المرأة.


قبل التطرق إلى ماحدث في المظاهرات، علينا أن نوضح أننا توقعنا عدم تاييد الناس للقضية وأنهم قد يحاولوا إعاقة  توصيل الرسالة بل ومحاولة منع توصيلها.

وفي أثناء  اجتماعاتنا الأولى للإعداد للمسيرة وهدفنا منها،  توقعنا أن الكفاح في سبيل تلك القضية لن يكون باليسير ولذا فقد أكدنا على أنه لاينبغي أبدا أن تنفصل مطالبنا عن المطالب السياسية الرئيسة التي هي مطالب المصريين كافة في هذه المرحلة الحرجة في تاريخنا. ولهذا السبب عملنا على أن تلم  مطالبنا شملنا بوصفنا مواطنين مصريين مثل تأكيد المعنى الحقيقي للمواطنة في مصرنا الجديدة؛ مواطنة  تعني المساواة بين الرجال والنساء، المسيحيين والمسلمين؛ مواطنة  تعني العدالة الاجتماعية. توقعنا أن الرد قد يكون عنيفا لكن ليس لدرجة ماحدث.



أنا شخصيا توقعت أنه لن يكون سهلا أن تخرج للشارع مطالبا بحقوق المرأة في مجتمع ذكوري. توقعت ذلك  بوصفي واحدا من رجال ونساء متعاطفين مع هذه القضية  كانوا جميعا يعملون من أجل هذه المسيرة ووزعوا دعوات لها في الميدان قبلها بعدة أيام. اتضحت صعوبة  المهمة التي كانت من المفترض أن تكون سهلة عليّ  لأنني رجل.

مازلت أتذكر التعليقات التي سمعتها مساء ذلك اليوم. قال لي رجل كان يتجول في الميدان بصحبة زوجته: " ديمقراطية للستات؟ الستات كمان". رددت عليه بأن الشهداء كانوا من الجنسين.


سألني آخر عن سبب المسيرة وعندما أخبرته قال: "كلام فارغ.  تحب تشوف المرأة في مكانة أعلى من الرجل؟" فأجبته: " لا عايز مصر تانية  لن توجد أبدا مادام الرجال مستمرين في  إقصاء النساء." أسوأ التعليقات التي سمعتها كانت من رجل قال لي: إن النساء حصلن على حقوق أكثر مما يستحقن بالفعل. التعليقات الثلاث أو الأربع كانت كافية  لإثبات أن الثامن من مارس سيكون يوما مشهودا.


استيظت مبكرا صباح يوم المسيرة وذهبت مباشرة إلى الميدان حيث كان من المفترض أن التقي بأصدقائي  من المنظمين لها. وفي حوالي الثانية مساء، بدأنا في نقل الصناديق التي كانت تحوي المواد الدعائية للمسيرة بأحجامها المختلفة الى منطقة معينة في الحديقة الوسطى بالميدان التي مازال المتظاهرون ينصبون خيامهم بها. حاولنا بقدر الإمكان إبقاء الصناديق مغلقة حتى ينضم إلينا الباقون من المشاركين في المسيرة لكن البعض كانوا على قدر كبير من الفضول لمعرفة مابداخلها فاضطررنا إلى توزيع بعض المنشورات التي تضمنت مطالب المسيرة عليهم ليلقوا نظرة عليها. تلك كانت  الشرارة الأولى للأزمة. فجأة وجدت نفسي وزملائي منخرطين في مناقشة مهينة دون جدوى مع الكثير من الموجودين في الحديقة آنذاك.

سألونا أولا: هل تؤمنون بماهو مكتوب؟ هل أنتم من كتبتوها؟


بمجرد ما أجبنا بنعم، بدأ سيل من الأسئلة والاتهامات ينصب على رؤوسنا.  القائمة كانت تعج بالاتهامات من  عينة:

         أنتم حفنة من الكفرة من محاربي الإسلام.

         مطالبكم ضد الشريعة الإسلامية.

       إذن  هل تطالبون أيضا بحق المرأة في أن تتزوج أربع  أسوة بالرجال؟

        أنتم تريدون أن تحولوا مصر إلى دولة غربية لاتحترم الأديان.

      أما أطرف الأسئلة فكانت من الشخص الذي كان يتحقق من بطاقات هويتنا  حيث سألنا: كم دفعوا لكما؟

سألناه بدورنا عما يقصده فأجاب: كم دفعوا لكما لتصرفوننا عن قضيتنا الأساسية  وتعملوا في صالح الثورة المضادة؟

وبعد ذلك النقاش، تم طردنا مع منشوراتنا من الحديقة . ومع ذلك، فأنا لاألوم  الأشخاص الذين طردونا  حيث أعتقد أن ذلك اليوم كان مشوبا بالتوترات والصدامات بين المسلمين والمسيحيين  لذا فقد بدأ البعض يشعر بحالة من البارانويا.

وعلى أي حال، فقد انضممنا قيما بعد لائتلاف المنظمات النسوية على الجانب الآخر من الميدان.  وكان هذه هو الوقت الذي بدأت فيه المعركة الحقيقية.

ربما كنا نفتقر إلى التنظيم الجيد أو أننا ارتكبنا أخطاء عادية. ربما لم يكن خطابنا واضحا بما يكفي  مع إثارته للجدل في الوقت نفسه  لكنني متأكد من أن عددنا لم يكن يفوق مئة رجل وامرأة نرفع اللافتات ونردد شعارنا وهو : "نريد دستورا جديدا يقضي على التمييز"  بينما قام بتطويقنا مالايقل عن 300 رجل من أعمار مختلفة تصرفوا بعدوانية  وعنف شديد معنا. معظمهم من طبقة العمال وبدا بعضهم من البلطجية. كان العنف في البداية بالقول  فقط إذ كانوا يتعاملون معنا على أننا  مجموعة من المومسات والقوّادين الذين يريدون  حرمانهم من الدين ويروجون للفاحشة.

اتهمونا أيضا بالعمل لمصلحة  زوجة الرئيس السابق. البعض الآخر اتهمنا بالعمالة للغرب وبأننا نعمل لصالح أجندات أجنبية.

ما أثار حفيظتهم هو  رؤية الرجال يحملون نفس اللافتات أيضا. بعضهم أشار نحوي [في احتقار] واتهمني بأنني من المثليين وعلي أن أضع طرحة على رأسي لأنني عار على الرجال. كنت أرى في عيونهم التهديد باستخدام العنف معي ومع الآخرين.

وسرعان ما تغير الشعار فبدلا من الشعار الشهير: الشعب يريد إسقاط النظام، أخذوا يرددون "الشعب يريد إسقاط النسوان."  وهي الكلمة العامية المصرية المرادفة للنساء. وسألنا أحدهم: لماذا أرسل الله تعالى الرسل أنبياء ولم يرسل نبيات. وأخذت مجموعة أخرى من الأصوليين بلحي كثة يرددون: "صوت المرأة عورة " وهذا بالطبع غير حقيقي ولايٌعقل.



انتهت المظاهرة بعدها بساعتين  إذ كان من الواضح أنهم ينوون استخدام العنف معنا.

كنا نظن أن الأمر انتهى لكننا وجدناهم يجرون وراء الكثير من الفتيات في الميدان محاولين التحرش بهم جنسيا وضربهم. الكثير من زميلاتي تعرضوا لتحرش وحشي من جانب شباب صغار أخذوا يتحسسونهم ويمسكون صدورهن بل وحتى أعضائهن التناسلية في ظل غياب شبه كامل للجيش  والذي تدخل في النهاية بإطلاق أعيرة نارية في الهواء لوضع حد للتحرش وقد نجحوا في النهاية.

القصة لم تنته. ثمة دروس وملاحظات علينا أن نعيها وهي كالتالي :



1- ماحدث اليوم من تحرش جنسي أو من ترديد لشعار [الشعب يريد إسقاط النسوان] يعبر عن حقيقة مؤسفة نعرفها تمام المعرفة  ألا وهي أن المجتمع المصري من أكثر المجتمعات الذكورية الأبوية  في الشرق الأوسط حيث  يطبق  فكرة  الدرجات أو المراتب  بحسب الجنس. معظم الرجال يظنون أنهم يعتلون نسائهم في الفراش  ولذا فإنهم لابد أن يعتلونهم في الحياة أيضا. لا يرون النساء بعيدا عن ذلك المنظور الجنسي المهين للمرأة. هذا هو سبب التحرشات الجنسية.  إنهم لا يتحرشوا بالنساء لرغبة جنسية وإنما ليثبتوا قدرتهم على إهانة أجساد النساء. الأمر كان رغبة في قهرهن جنسيا أكثر من كونها رغبة في التحرش بهن.

2- من العبث القول بأن تلك الثقافة الذكورية التي تنمو أكثر وأكثر في ظل بيئة الجهل التي تتبنى نظرة خاصة بها  للإسلام كأساس للتأكيد عليها ستنتهي برحيل مبارك. جذور تلك الثقافة أعمق مما نتصور واجتثاثها يتطلب وقتا وجهدا كبيرا وهذا ينقلنا للنقطة التالية.


3- على الحركات والمنظمات النسوية  انتهاج استراتيجية جديدة في المسيرات القادمة. لابد أن تعتمد هذه الاستراتيجية على حشد دعم شعبي باستخدام لغة بسيطة ومقنعة تجعل الجميع يؤمن أن ماتطالب به المرأة ماهو إلا تطبيق للمعنى الحقيقي للمواطنة التي ذكرناه من قبل. الجزء الآخر من الاستراتيجي هو البحث عن حلاء يعملون معنا للكفاح من أجل تحقيق نفس الحقوق. المسيحيون  على سبيل المثال يعانون من تمييز مماثل وهم يطالبون أيضا بقيام الدولة المدنية. الأمر نفسه ينطبق على المثقفين والجماعات الليبرالية والعلمانية الذين يحلمون بالأمر نفسه لكنهم يلوذون بالصمت منذ أمد طويل. إذا اتحدث تلك المجموعات الثلاثة على سبيل المثال، وأظهرت تضامنها فستتغير الأمور تماما على الأقل في ميزان ديناميكية القوى.

4- لاأعتقد أن الشكوى والأنين هو ماعلينا أن نقوم به الأن لأنني أعتقد أننا حققنا الكثير على الرغم من وحشية وعنف وقسوة الهجوم الذي تعرضنا له وعلى الرغم من الأخطاء التي ارتكبناها. لقد نجحت المرأة على الأقل للمرة الأولى منذ عصور طويلة في الخروج للدفاع عن قضيتها وأن تعلن عن وجودها. المحاربة في سبيل الحرية لم تكن أبدا سهلة ونحن نعلم ذلك. نعلم أيضا  أنه لن يقوم أي شخص بجلب حقوقك لك  إلى منزلك بينما تقبع أنت لاتفعل شيئا. الحياة ليست وردية كما أن النساء المصريات ليست ضعيفات. ربما لم يفزن في الجولة الأولى لكن من قال إن المعركة انتهت؟  نعرف جميعا أن الأمر سيستغرق سنوات  لأنها حرب سياسية وثقافية واجتماعية. نعم سنصاب بالإحباط أحيانا لكن مادمنا ندرك عدالة قضيتنا، فستظل تستحق محاربتنا من أجلها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق